سورة النور - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} [النور: 24/ 39- 40].
نزلت الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية، قد كان تعبّد في الجاهلية، ولبس المسوح، والتمس الدّين، فلما جاء الإسلام كفر. أو إنها نزلت في شيبة بن ربيعة، وكلاهما مات كافرا.
هذه حالة الكافرين الجاحدين: ضلال وحيرة واضطراب في الدنيا، وخسارة شديدة في الآخرة، ولهم تمثيلان كما ذكر ابن عطية:
الأول منهما: يقتضي حال أعمالهم في الآخرة من أنها غير مجدية ولا نافعة.
والثاني: يقتضي حالها في الدنيا من أنها في غاية الضلال والغمّة التي مثالها تناهي الظلمة في قوله سبحانه: {أَوْ كَظُلُماتٍ}.
أما حال أعمال الكفار في الآخرة وهو المثل الأول، فإن أعمالهم الصالحة شبيهة بسراب يراه الإنسان العطشان من بعيد في فلاة من الأرض، فيحسبه ماء، فيأتيه، فلا يجد ما رجاه. والقيعة: هي المنبسط من الأرض، أو جمع قاع، وهكذا حال الكافرين يحسبون أعمالهم نافعة لهم في الآخرة، منجّية من عذاب الله، فإذا جاء يوم القيامة، وقوبلوا بالعذاب، فوجئوا بأن أعمالهم الصالحة مثل صلة الرحم والإحسان إلى الفقراء ونحو ذلك لم تنفعهم، وإنما يجدون زبانية جهنم تأخذهم وتسوقهم إليها سوقا عنيفا، فهم يجدون عذاب الله الذي توعد به الكافرين ينتظرهم، والله سريع الجزاء على العمل السيئ في الدنيا، وهو الكفر بالله، وعصيان أوامر الله، والانغماس في المنكرات.
وقوله تعالى: {حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} يراد به: شيئا نافعا في العطش، أو شيئا موجودا، على العموم، أي فكذلك الكافر يوم القيامة يظن عمله نافعا، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وقوله سبحانه: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} مجاز، وعنده عائد على العمل.
وفي ذلك توعد وبيان لسرعة الحساب. والمراد: أن الكفار سوف يصطدمون بالخيبة والخسارة في الآخرة، فلا يجدون ما ينفعهم ولا ما ينجيهم.
وأما المثل الثاني: وهو حال الكفار وأعمالهم في الدنيا: فهو أن مثل أو صفة أعمالهم التي يعملونها في الدنيا، مثل ظلمات ثلاث متراكمة، في بحر عميق بعضها فوق بعض، وهي ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة السحاب، أي إنهم من الضلال في العقيدة ونحوه في مثل هذه الظلمة المجتمعة من هذه الأشياء، وهم في الواقع في ظلمات ثلاث: ظلمة الاعتقاد الباطل، وظلمة القول الساقط، وظلمة العمل الفاسد.
والمقصود من هذا المثل: بيان أن الكافر تراكمت عليه أنواع الضلالات في الدنيا، فصار قلبه وبصره وسمعه في ظلمة شديدة كثيفة، لم يعد بعدها قادرا على تمييز طريق الصواب ومعرفة نور الحق. وتراكم هذه الظلمات بعضها فوق بعض في غاية الظلمة، وهو يقتضي مبالغة الظلمة، حتى إن الإنسان إذا مدّ يده، وهي أقرب شيء إليه، لم يكد يراها، فضلا عن أن يراها، ومعنى {لَمْ يَكَدْ يَراها}: لم يقارب الوقوع، والذي لم يقارب الوقوع، لم يقع، وهذا يقتضي نفي الرؤية جملة.
ومن لم يهده الله لنوره، ولم يوفقه لهدايته، فهو هالك جاهل خاسر، في ظلمة الباطل لا نور له، ولا هادي له. والمراد أن من لم يهده الله في الدنيا لم يهتد، ويلزم منه أنه في الآخرة لا يجد رحمة من الله ولا عفوا، وهذا لا يقتضي الجبر والإكراه، لأن الإنسان في مثل هذا مخيّر، وإنما الضلال وما ينتج عنه من خسران بسبب اختيار وإرادة من الإنسان ذاته.
البراهين الكونية على وجود الله تعالى:
أورد القرآن الكريم عدة أدلة على وجود الله، منها الخلق والإيجاد والإعدام للإنسان والحيوان، ومنها أفعال الموجودات في السماء والأرض، ومنها إنزال المطر، وتقليب الليل والنهار، وذلك كله لإقناع الإنسان وهدايته، وتوصله إلى الإقرار بوجود الله وتوحيده، ومعرفة عظمته وقدرته. ولولا فضل الله ورحمته بالناس جميعا، لما نبّه القرآن كلام الله على هذه الأدلة، واقتصر على تشريع الحلال والحرام، إلا أن القرآن العظيم شمل كل شيء من شؤون العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملة، وأرشد إلى أصول تنظيم المعاملات والعلاقات الاجتماعية، وحالة الوصية والميراث بعد الوفاة، قال الله تعالى مبينا أدلة أربعة على وجوده، منها ثلاثة في هذه الآيات:


{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44)} [النور: 24/ 41- 44].
هذه بعض أدلة وجود الله وتوحيده وقدرته، أولها: تسبيح المخلوقات. والمعنى:
ألم تعلم بالدليل الواضح أيها النبي وكل مخاطب أن الله ينزهه ويقدسه كل من في السماوات والأرض، من العقلاء وغيرهم، من الملائكة والإنس والجن والجمادات، والطير باسطات قابضات أجنحتها حال طيرانها في جو السماء كيلا تسقط. والجمهور على أن تسبيح الطير والجمادات تسبيح حقيقي، ويراد به التعظيم والتقديس، وذلك بأسلوب يتفق مع طبيعة هذه المخلوقات، وكل واحد مما ذكر قد علم الله صلاته وتسبيحه، أي أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله عز وجل، والله تام العلم بجميع ذلك، ولا يخفى عليه شيء من أفعالهم، وهو مجازيهم عليها.
والله تعالى مالك جميع ما في السماوات والأرض، وهو الحاكم المتصرف فيهما، بالخلق والإماتة، وإليه وحده مصير الخلائق ومعادهم يوم القيامة.
الدليل الثاني: إنزال المطر، ألم تعلم أيضا أيها النبي وكل إنسان مخاطب كيفية تكوين المطر وإنزاله، إن الله تعالى يسوق السحاب بقدرته، ثم يجمع ما تفرق من أجزائه في وحدة متضامة، ثم يجعل بعضه متراكما فوق بعض، حتى يتكون منه سحاب عال في طبقات الجو الباردة برودة شديدة، فإن الطائرة مثلا التي ترتفع في الجو (35) ألف قدم تكون البرودة حينئذ (50) درجة تحت الصفر. ثم يسوق الله ذلك السحاب بالرياح اللواقح إلى المكان الذي يريد إنزال المطر فيه، ثم ينزل المطر من خلال السحاب، أي من شقوق بين أجزائه.
وينزّل الله من السماء مطرا وبردا من سحب كثيفة متراكمة تشبه الجبال، فيصيب الله بالمطر من يشاء من عباده رحمة لهم، ويحجبه ويمنعه عمن يشاء، ويؤخر الغيث عمن يريد، إما نقمة وإما رحمة حفاظا على الأزهار والثمار والزروع. وجبال البرد إما حقيقة. وإما مجاز يراد به وصف كثرته.
والعجب في هذا خلق الشيء من ضده، وهو النار من البارد، حتى ليكاد برق اصطدام الغيوم من شدته، يخطف الأبصار إذا نظرت إليه، نظرة تحديق. وسنا برقه:
يراد به ضوء ذلك البرق الذي في السحاب. ويذهب بالأبصار: فيه تقدير أي يذهب النفوس بالأبصار.
والدليل الثالث: اختلاف الليل والنهار، أي إن الله عز وجل يتصرف في الليل والنهار بزيادة أحدهما ونقص الآخر، وتغير أحوالهما بالحرارة والبرودة، وتعاقبهما بنظام ثابت دقيق. إن في ذلك لدليلا على عظمة الله الباهرة، وعظة لمن تأمل من ذوي العقول والألباب. والتنبيه على تعاقب الليل والنهار واختلافهما طولا وقصرا وارد في كثير من الآيات، مثل قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190)} [آل عمران: 3/ 190].
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم- فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار».
هذه الأدلة الحسية البسيطة، يستطيع كل إنسان معرفتها، وإدراك ما فيها من عظمة، ودقة، وإرشاد إلى وجود الله، والتعرف على قدرته.
ضلال المنافقين والكافرين:
من العجب الواضح أن بعض الناس يصرون على ضلالهم وكفرهم، على الرغم من الآيات الكونية الحسية والمعنوية الدالة على وجود الله وقدرته وتوحيده، وهؤلاء هم المنافقون وبعض الكافرين، فإن خلق الإنسان والحيوان وخلق الكائنات دليل ساطع على وجود الله وتوحيده، ومع ذلك ترى المنافقين يرفضون في أعماق قلوبهم الإقرار الصادق بالدين الحق، ويتظاهرون بالإسلام، ويبطنون الكفر والعداء، قال الله تعالى واصفا مرض أولئك المنافقين:


{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)} [النور: 24/ 45- 50].
الدليل الرابع على وجود الله وتوحيده: خلق أنواع الدواب من الماء، الذي هو أصل الخلقة الأول، وتوقف حياة الحيوان عليه، وأن خلقة كل حيوان فيها ماء، وللدواب أنواع، فمنها ما يمشي زحفا على بطنه كالزواحف، ومنها ما يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنها ما يمشي على أربع كالأنعام، والله سبحانه يخلق بقدرته ما يشاء، إن الله قادر على خلق كل شيء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ} تذكير الضمير لتغليب العقلاء، وبنى على تغليبهم في الضمير التعبير ب «من» الواقعة على من يعقل. وظاهر بعض العبارات يشعر باعتبار التغليب في «كل دابة» وليس بمراد، بل المراد أن ذلك لما شمل العقلاء وغيرهم على طريق الاختلاط، لزم اعتبار ذلك في الضمير العائد عليه وتغليب العقلاء فيه.
ثم عقب الله تعالى على خلقه الأشياء بأنه سبحانه أنزل في القرآن آيات مفصلات، واضحات دالة على وجود الخالق المدبر للكون، وهي كل ما نصب الله تعالى من آية وصنعة للعبرة، وفي كل آية تنبيه وتذكير، والله يرشد إلى تفهم الآيات وتعقلها جميع أولي الألباب والبصائر، ويدلهم إلى الطريق القويم الذي لا اعوجاج فيه.
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ} نزلت في بعض المنافقين في بشر المنافق الذي أبى أن يحتكم لرسول الله في أرض، وأراد الاحتكام لكعب بن الأشرف، وخصمه اليهودي جعل يجرّه إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ليحكم بينهما.
والمعنى: يقول المنافقون أمام الناس: صدقنا بالله ربا، وبمحمد رسولا، وأطعنا الله فيما قضى، والرسول فيما حكم به، ثم يعرض فريق منهم عن قبول حكمه، فيناقض قولهم عملهم، وهم في الواقع ليسوا من المؤمنين، وإذا طلبوا إلى تحكيم كتاب الله واتباعه هديه، وإلى الرسول ليحكم بينهم في خصوماتهم، أعرضوا عن قبول حكم الله والرسول، واستكبروا عن اتباع حكمه، وهذا يدلنا على أن حكم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم هو حكم الله القائم على الحق.
وإذا كان الحكم في صالح المنافقين جاؤوا لرسول الله سامعين مطيعين، لعلمهم بأنه لا يحكم إلا بالحق، فهم جماعة إذن نفعيون انتهازيون، فهم يعرضون عن حكم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حينما عرفوا الحق لغيرهم أو شكّوا، ويقبلون حكم النبي ويرضون به، إذا عرفوا أن الحكم لصالحهم. وقوله: «مذعنين» أي مظهرين للانقياد والطاعة، وهم إن فعلوا ذلك فهو حينما أيقنوا بالنجاح.
إن تردد المنافقين بين الإسلام والكفر لأحد الأسباب الآتية: وهي إما أنهم مرضى القلوب بالكفر والنفاق، والمرض ملازم لهم، وإما أنهم شكوا في الدين وفي نبوته صلّى اللّه عليه وسلّم، وإما إنهم يخافون أن يجور الله تعالى ورسوله عليهم في الحكم. وترداد هذه الأسباب توبيخ لهم، ليقروا بأحد هذه الأسباب.
وأيا كان السبب فهو كفر محض، والله عليم بكل منهم وبصفاتهم، لذا قال الله تعالى: {بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي بل إنهم، أي المنافقون هم الظالمون الفاجرون الفاسقون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم، لا أنهم يخافون أن يحيف أو يجور الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، لمعرفتهم بأمانته وعدله في حكمه، وصونه عن الجور، والحيف: الميل.
أما الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنما يحكم دائما بأمر الله وشرعه، ولا يحيد عن الحق مقدار أنملة، سواء كان الحق لمنافق أو ليهودي أو لغيرهما.
الطاعة المتناهية عند المؤمنين:
إن معرفة الله تعالى بوجوده ووحدانيته ونعمائه وأفضاله، تتطلب حبه حبا جما متناهيا، يفوق كل حب، ويسمو فوق كل حب، ويتجرد عن الهوى والمصلحة، والنفعية وتحقيق المطالب، والحب والمعرفة يتطلبان إقرارا وبرهانا واقعيا عليهما، ومحاولة التقرب من الله المحبوب حبا ذاتيا، وطاعة هذا المحبوب، وامتثالا لأوامره واجتنابا لنواهيه، وتفانيا مستمرا في الطاعة والامتثال، وحبا للطاعة ذاتها بحيث تقرّ بها العين، وتحلو للفؤاد، وتتناغم في أعماق النفس الإنسانية، وتتفاعل مع أصداء الأفعال والأقوال الصادرة عن الإنسان المحب لربه، وهذا كله يجسده معنى الإيمان الحق بالله عز وجل، لذا يصف الله المؤمنين بقوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7